الجمعة، 16 أكتوبر 2009

الموت في أحضان الأمّهات

" عزيزتي كاترين للتوّ أبحرنا على متن أمّنا (كورسك) إلى بحر بارينتس المخيف بجليده الطافي كأرواح ماتت من البردفبات الجميع يراها بـ رهبة غريبة . هنا في بحر بارينتس حيث سألنا عن سبب الاسم ولا أحد يجيبنا عنه ولم يخبروناكم قاسى لـ يصل هذا الهولنديّ الذي مات قبل 500 عام إلى بحر تؤمّه قراصنة من أشباح الخوف لأنّه كان غربيّا ! . في أحضان أمنا الـ (كورسك) حيث أصوات البحر المخيفة وكأنّها الدنيا بقسوتها كانت تحيط بنا لتضمّنا إلا أن أمنا كانت تحول دوننا بأحضانها والمسكينة كيف لها اأن تصمد طويلا فهي كأيّ أم ضعيفة إلا من حبّها وخوفها . في أعماق البحر حيث لا أحد ولا صوت إلا أصوات النيام وهم يتمتمون بـ غرف النوم عن عائلاتهم . أحسّ بأننا غارقين بالنسيان لا أحد يسمعنا فقط نحن الموتى أمثالنا نسمع بعضنا ! . عزيزتي كاترين اليوم أبقيت على جزء من حصّة طعامي لنتناوله سويّةً قبل النوم . اليوم ( أناتوني ) أصيب بدوار البحر لأنه جديد بالخدمةلا تسأليني إن كنت أصبت به أم لا فلاشيء يهمّ غير سعادتك يا كاترين قبل النوم اشتقت إلى الشمس والأشجارالتي لم أرها منذ أيّام تخيّلت الأشخاص من حولي أشجارا وأصوات نومهم صوت احتكاك الأوراق بالهواء هكذا كانت الأحلام تحتكّ بهم . كذلك كانت أضواء صافرة الإنذار تخترق أبصارنا كأنها الشمس. عزيزتي كاترين اليوم حصل اصطدام بـ جليد مرعب وعلى إثرها أصيب اثنين من الأصحاب بجروح وما إن أفاقوا من الإغماء إلا وتمتموا أين بيتنا ليجيبهم رئيس عملهم " قوموا إلى أعمالكم فنحن على عمق 250 مترا تحت البحر" وهم كانوا على عمق 250 نوماً تحت الحلم !. آه كم هي الحالة صعبة يا كاترين لقد حدثت الكثير من الأعطال وكانت سياط الأوامر تجلدنا. وكان الخوف من كلّ ثانية تأتي كـ عقرب الثواني السام بالوجوم . عزيزتي كاترين اليوم صعدنا على سطح البحر كم هو إحساسٌ رائع أن تلامس الشمس أعيننا وأن نلعب قريبا من أمنا الـ (كورسك)ولم نمض طويلا إلا وغصنا في أعماق البحر .عزيزتي كاترين اليوم خوفٌ صرخ في وجهنا انفجر طوربيد في غوّاصتنا وتتابعت صرخات الخوف والأم الـ (كورسك) تتداعى .كم كان منظر الدماء وهي تصبغ أوجه المساكين مرعبًا . وكم كانت لحظات الإيمان تومض بعد كلّ دعاء يسري حين تمتمة عفويّة ومن حولي أناسٌ ارتسمت في أعينهم شريط أيّامهم بين أهاليهم وكأنها نهاية فيلم محزن لا أرجوه أن يكون فيلمنا يا كاترين!.انفجارٌ آخر وأشلاء أخرى كلّ هذا الضجيج في حضن أمنا ولا أحد يسمعنا بدأت مياه الموت تنفذ من خلال جروح أمنا المسكينة لم تعد تستطيع حمايتنا بعدا الآن . ماتت أمنا ونحن في أحضانها ونحن في عمق البحر لا أحد حولنا . بدأ الهواء ينفد وبدأ الموت يتسلل إلى الجميع .. إلى الجميع حتّى أنا أحسّ بأن الموت يلامسنيعزيزتي كاترين وعلى رجلي رأس ( أناتوني ) الميّت المسكين أكتب رسالتي أعرف بأنها قد لا تصل كذلك أعرف بأن لا أحد سيعرف ما حلّ بنا ربّما يرون الناس خبرا على التلفاز يخصّنا فيقلّبون بالقنوات بحثا عن أغنية يعشقونهاحتّى أنتِ .. حتّى أنتِ يا كاترين قد لا تعلمين ماذا حلّ بنا ما يهمّني هو أن تعلميأنني أحبّك إلى الأبد يا كاترين"

*فاسيلي*

مذكّرة بالكاد قرأت لأنها كانت مبلّلة بالدموع حينها ووجدت في جيب أحدهم كان اسمه فاسيلي وكان أحد طاقم الغوّاصة كورسك التي غرقت قبل أعوام ولم يعرف أحد بالعالم ولا كاترين ماذا حلّ بهم حينها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق