الاثنين، 19 أكتوبر 2009

(الستارة) لميلان كونديرا


كتاب جميل للغاية أذهلتني قدرة كونديرا على لملمة ذاكرته المليئة بالروايات في إطار سرديّ مبسّط وكأنّه يحكي لنا قصّة لرواية! , الكتاب وكأنّه إجابةعلى سؤال موجّه لكونديرا يقول:حدّثنا عن حكاية الروايات؟ الكتاب تناول الرواية من الخارج وذكر كلّ الأشياء التي تتعلّق بالرواية والطرق التي أدّت إليها بالنهاية في عقل المؤلّف فالمؤلّف لايبدأ الرواية إلا بعد قصّة أو حكاية مسبقة تكون السبب في روايته,والأجمل من كلّ ذلك أنه تحدّث عن روائيين غائبين عن أنظارنا ومجهولين لأنّهم كانوا غارقين في امبراطوريّة الهابسبورغ المختلطة الأعراق والتي تتخذ من الألمانيّة لغة رسميّة, أفتقد لمعرفة العديد من اللغات ليتني أتّقنها لأقرأ ماحرمتني الترجمة منها , مقاطع أعجبتني من الكتاب:

1

"في رواية دستوفسكي لاتكفّ ساعة الحائط عن تحديد الوقت"

2

"الامتحان التولستوي للنثر في حادثة انتحار هو إذا إقدام عظيم(اكتشاف)لامثيل له في تاريخ الرواية ولن يكون له مثيلٌ أبدا"

3

"بين السياق الكبير العالميّ وبين السياق الصغيرالوطنيّ يمكن أن نتخيّل مرحلة لنقل سياقا متوسّطا,هذه المرحلة بين السويد والعالم هي اسكندنافيا وبالنسبة لكولومبيا هي امريكا اللاتينيّة فما هي بالنسبة لبولونيا وهنغاريا؟ حاولت في غربتي أن أصوغ الجواب على هذا السؤال"

4

"بعد المحاضرة حدث نقاش,بقي منه في ذاكرتي الشاعر جوزيف كينار _من جيل بلاتيني نفسه الميّت هو أيضا منذ سنوات_ الذي قصّ حكاية في معرض إجابته على النقاشات العلميّة:ثمّة صبي ينزّه جدّته العجوز العمياء يمشيان في الطريق ومن حين لآخر يقول الصبي"انتبهي ياجدّتي جذر شجرة"فتبادر السيدة العجوز إلى القفز معتقدة أنّها تسير على طريق غابة,يوبخ المارة الصبي الصغير"أيّها الصبي,أهكذا تعامل جدّتك؟" فيرد عليهم: "إنّها جدّتي أنا وأعاملها كما أشاء" ويستنتج كينار" "وهذه هي حالي مع شعري"

5

يقدّم سيرفانتس في روايته سردا طويلا لكتب الفروسيّة,يذكر عناوينها لكنّه لايجد دوما ضرورة للإشارة إلى اسم مؤلفيها,عندها لم يعد أحد يحترم المؤلّف وحقوقه يدخل في مجال الأخلاق"

6

"يدعو نبيل محبوب من الريف دون كيشوت إلى منزله الذي يسكنه مع اينه الشاعر,يتعرّف الابن الثاقب الفكر أكثر من أبيه فورا في الضيف على مجنون ويحلو له أن يحافظ ظاهريّا على حياده,ثم يدعو دون كيشوت الشاب للإقاء شيء من شعره,يتعجّل الفتى ويطيع,فيطنب دون كيشوت المديح لموهبته,يشعر الضيف بالسعادة ويداهن الضيف وينبهر بذكائه وينسى على الفور جنونه,من هو إذا الأكثر جنونا,المجنون الذي يمتدح ثاقب الفكر أم ثاقب الفكر الذي يصدّق مديح مجنون؟,لقد دخلنا في فضاء هزليّ آخر"

7

"لكن دون كيشوت يأبى اعتبار الخوذة طاسة حلاقة,فجأه يغدو موضوع في غاية البساطة ظاهريّا مشكلة,كيف يثبت أن طاسة الحلاقة الموضوعة فوق رأسٍ ليست خوذه؟"

8

"لنخرج السيّد انجليبير ولنتخيّل كرجل واقعيّ يشرع بكتابة سيرته الذاتيّة,لا,لن تشبه رواية جوهن! لأن السيّد أنجيلبير مثل معظم اشباهه اعتاد الحكم على الحياة بحسب بحسب مايمكن قراءته على الستارة المسدلة أمام العالم,يعرف أن ظاهرة الضجيج مهما بلغ انزعاجه منها ليست جديرة بالإهتمام بالمقابل الحريّة والاستقلاليّة والديموقراطيّة أو إذا نظرنا إليها من زاوية معارضة الرأس ماليّة والاستغلال واللامساواة أجل ومئة رجل,تلك هي المفاهيم الهامة والقادرة على إعطاء معنى للقدر,وعلى جعل المصيبة نبلا! لذلك,في سيرته الذاتيّة والتي أراه يكتبها والقطن في أذنه,يعطي أهميّة فائقة للإستقلال الذي استردّه وطنه ويندّد بأنانيّة الوصوليين,أمّا الوحوش ذات المحركات الانفجاريّة فأنزلها إلى أسفل الصفحة مجرّد إشارة إلى سأم طفيف يحمل إجمالا على الضحك"

9

"لا,ليس صحيحا أن الخير غائب أكثر مما ينبغي في رواية مدام بوفاري,العقدة هي مكان آخر:الحماقة حاضرة فيها أكثر مما ينبغي,وبسببها لايصلح شارل من أجل المشهد الخيّر التي تمنّت سانت بوف رؤيته,لكن فلوبير لايريد أن يصنع مشاهد خيّره يريد أن يصل إلى روح الأشياء وفي روح الأشياء روح جميع الأشياء الانسانيّة يرى في كلّ مكان جنيّة الحماقة الهيفاء ترقص,هذه الجنيّة الخفيّة تتكيّف مع الخير والشرّ مع المعرفة والجهل,مع إيما كما مع شارل,معكم كما معي,أدخلها فلوبير إلى مرقص ألغاز الوجود العظيمة"

10

"يستطرد هنريش: "لكي أوضّح فكرتي أفترض أن الساعة الحائطيّة المثاليّة يجب أن تبنى بحيث تعمل جيّدا حتّى لو غيرنا قطعها واستبدلنا السيّئة بالجيّدة والجيّدة بالسيّئة,بالتأكيد لايمكن تصوّر مثل هذه الساعة,لكن الإدارة لايمكن أن توجد إلا بهذا الشكل بالضبط وإلا ستختفي إذا نظرنا إليها من زاوية التطوّر الذي عرقته" ليس مطلوبا من موظّف أن يفهم الإشكاليّة التي تشغل إدارته بل أن ينفذ بحماس العمليّات المختلفة دون أن يفهم وحتّى دون أن يحاول فهم مايجري في المكاتب المجاورة,لاينتقد ريزاش البيروقراطيّة إنّما يشرح فقط سبب عدم قدرته كما هو على حاله على أن ينذر حياته لها مامنعه من أن يكون موظّفا"

11

"كتب غوته(العجوز غوته) في أحدى قصائده التهكميّة القصيرة: " أيّها الشاب أنت قوي برفقتك أمّا أنت أيّها العجوز فبعزلتك" في الحقيقة حين يبدأ فتيان مهاجمة أفكار معروفة وصيغ جاهزة يحبّون التجمع في عصابات"

12

"تعود إلى ذاكرتي كلمات سيوران بشأن الشباب وحاجتهم للدمّ والصراخ والضوضاء,لكنّني متعجّل لإضافة أن هؤلاء الشعراء الشباب الذين يبولون على جثّة روائيّ كبير لم يكفّوا عن أن يكونوا شعراء حقيقيّين وشعراء مثيرين للإعجاب كانت عبقريّتهم وحماقتهم تتدفّقان من النبع ذاته,كانو عدوانيين بعنف(غنائيّا) إزّاء الماضي ومخلصين بالعنف(الغنائيّ) ذاته للمستقبل الذي يعتبرون أنفسهم وكلاءه,والذي يرون أنّه يبارك بولهم الجماعيّ المرح"

13

"أتذكّر لقائي مع زملائي في الثانويّة بعد عشرين عاما من الباكالوريا,يخاطبني ج بفرح: "مازلت أراك تقول لأستاذنا في الرياضيّات:تبّا ياسيّدي الاستاذ!" والحال هذه فإن اللفظ التشكيليّ لكلمة تبّا نفرني على الدوام وكنت على ثقة تامة بانّني لم أقل ذلك,لكن جميع الناس من حولنا انفجروا ضاحكين,متظاهرين أنّهم تذكّروا تصريحي الظريف,أدركت أن تكذيبي وانكاري لن يقنع أحدا,فابتسمت بتواضع ودون احتجاج لأنّه وأضيف هذا إلى خجلي سرّني أن أرى نفسي وقد تحولت إلى بطلٍ يطلق كلاما بذيئا في وجه الاستاذ الملعون"

14

"قوّة النسيان التي تمحو وقوّة الذاكرة التي تحور"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق