الاثنين، 26 أبريل 2010

غوستاف فلوبير وأشياء رائعة قد يتحدّث عنها من دون إدراكها أو الشعور بها



صاحب هذه الصورة هو صاحب أعظم رواية في التاريخ الفرنسي _كما يُذكر كثيرا_ لذلك اقتنيت تلك الرواية وكانت رواية مدام بوفاري.

قرأتها بالمرحلة الثانويّة ولم أجدها _وقتئذٍ_ إلا رواية عاديّة أو حكاية إمرأة تخون من أجل حبيبٍ أتى وزوج صالح بارّ بوالدته وماكان يثير دهشتي أن هذه الرواية أدخلت فلوبير للمحكمة! لم تكن الخيانة وغيرها من الأمور المكروهه بالرواية الفرنسيّة على أيّة حال فقلّما خلت روايات أدبائهم منها لكن لماذا فقط فلوبير؟ ولمَ لم أدرك سبب ضجّتها؟؟.


طبعا آخر عمل لفلوبير كان (ثلاث حكايات) قرأته في نفسه الفترة استمتعت بها كحكاية لكن لم أجد جديد لكن قبل شهرين تقريبا عدت وقرأتها من جديد ووجدتها عظيمة وعبقريّة كيف لروائيّ أن ينسج قضايا فكريّة عميقة جدّا وقضايا انسانيّة بحته ومشاكل فكريّة في عمق الانسان البسيط في عمق حكاية بسيطة تمرّ مرور الكرام على القارئ _مالم_ يدقّق كثيرا أو يتمهّل ويفسّر كلّما صادفه.


الرواية تحدّثت عن خادمة عاديّة ذات ماضي عاديّ وبسيط تعيش مع سيّدتها وأنهت حياتها في بيت سيّدتها كان هنالك ولد وبنت وابن اخت وجيران ولم يكن ذلك مهمّا كان فلوبير يتحدّث ويحكي كثيرا ولم تكن الحوارات كثيرة بالواقع لكن في هذه الحوارات وفي تلك الحكاية عندما كان فلوبير يصف ذهن الخادمة كان يقول الكثير الكثير من الخافي كيف لمؤمنة بسيطة وزاهدة أن تكون ملحدة بالواقع؟! في حين أنّها مؤمنة وربّما في قرارة نفسها كذلك الكثير من الأنماط الحياتيّة انتشلها فلوبير من مظرها الخارجيّ وأظهر لنا باطنها الكئيب والمرارة التعيسة من كان يتصوّر أغلب سكّان فرنسا كانوا كذلك أناس عاديين لكن من فرط حزنهم وتعاستهم لم يحسّوا بشيء كانوا كالمواد تماما أو كما قال المتنبّي لم يدركوا قيمة الآلام والتي تدلّ على وجود الحياة يوم قال:


وشكيتي فقد السقام لأنّه*** قد كان لما كان لي أعضاء


في هذه الحكاية صورة غير واضحة للمجتمع وهو يقوم بعدام أفراده إعدام حياتهم ويبقيهم أحياء لمجرّد العيش لاأكثر حتّى صار الدين جزءا من عادات ذلك المجتمع لاقيمة حقيقيّة له وإذا أردنا أن نعطي فلاشا واضحا لصورة من تلك يكفينا أن نقول بأنّ الخادمة تصوّرت عيسى بن مريم وهو يأتيها مشابها تماما لببغائها! لماذا الببغاء بالذات؟فعلا فلوبير لم يترك أيّ لحظة عابرة دون مساءلتها كان دقيقا جدّا في ذلك وعبقريٌّ للغاية وهذا ماجعلني أفكّر جديّا في إعادة قراءة روايته (مدام بوفاري).


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق